responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نيل الأوطار المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 322
بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ لَخَوْفِ الْبَرْدِ

356 - ( «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إنَّ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ، فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ لَخَوْفِ الْبَرْدِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَمْرٍو وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو بِلَا وَاسِطَةٍ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَبُو قَيْسٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ غَسَلَ مَغَابِنَهُ فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ وَفِيهِ " فَتَيَمُّم " وَرَجَّحَ الْحَاكِمُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ مَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، فَيَكُونُ قَدْ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ: " ذَاتِ السَّلَاسِلِ " هِيَ مَوْضِعٌ وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى، وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ: (فَأَشْفَقْتُ) أَيْ خِفْتُ وَحَذِرْتُ.
قَوْلُهُ: (فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا) فِيهِ دَلِيلَانِ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَمَخَافَةِ الْهَلَاكِ: الْأَوَّلُ التَّبَسُّمُ وَالِاسْتِبْشَارُ، وَالثَّانِي عَدَمُ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ، وَالتَّبَسُّمُ وَالِاسْتِبْشَارُ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ السُّكُوتِ عَلَى الْجَوَازِ، فَإِنَّ الِاسْتِبْشَارَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْجَوَازِ بِطَرِيقِ الْأُولَى. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَصَلَّى لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَأَمَرَهُ بِهَا وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَقَدِرَ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ مَنْ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ.
قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ مَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُسَخِّنَ الْمَاءَ أَوْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ الضَّرَر مِثْلَ أَنْ يَغْسِلَ عُضْوًا وَيَسْتُرهُ، وَكُلَّمَا غَسَلَ عُضْوًا سَتَرَهُ وَدَفَّاهُ مِنْ الْبَرْدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَجْعَلَا لَهُ عُذْرًا. وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ لَأَوْشَكَ إذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ مَا لَفْظُهُ: فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ إثْبَاتُ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ وَسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ وَصِحَّةُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ

اسم الکتاب : نيل الأوطار المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 322
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست